يعيش السوق العقاري المصري حالة غير مسبوقة من الاضطراب، إذ تشهد أسعار الوحدات السكنية والتجارية قفزات متسارعة تفتقر إلى أي مبررات اقتصادية منطقية. هذا الارتفاع المستمر جعل امتلاك شقة حلمًا بعيد المنال لشريحة واسعة من المواطنين، مع اتساع الفجوة بين مستويات الدخل وأسعار العقارات.
الحقيقة التي لا يمكن إنكارها، والتي شدّد عليها رجل الأعمال نجيب ساويرس مرارًا، أن تكلفة البناء لا تتجاوز 25% من السعر النهائي، بينما تذهب النسبة المتبقية – نحو 75% – إلى ثمن الأرض والفوائد البنكية الناتجة عن تقسيط السداد على سنوات طويلة. هذه المعادلة تكشف أن موجة الغلاء العقاري ليست مجرد انعكاس لارتفاع أسعار مواد البناء أو تقلبات العملة، بل هي في جوهرها نتاج سياسات تسعير مبالغ فيها يمارسها بعض المطورين لتعظيم الأرباح على حساب المستهلك.
تجاوزت الأسعار حدود المنطق: تُباع الأراضي بأضعاف قيمتها الحقيقية، ويضيف المطور هامش ربح مرتفعًا ثم يمدد فترة السداد لسنوات، فتتراكم فوائد التمويل لتضاعف الكلفة النهائية. وهكذا تصبح شقة تكلفتها الفعلية مليون جنيه معروضة بثلاثة أو أربعة أضعاف، بينما يبرَّر ذلك بارتفاع الدولار وندرة الأراضي، في حين أن الفارق الحقيقي يكمن في «تسعير طموح» أقرب إلى المضاربة.
ولا يمكن تجاهل أثر التوقعات النفسية لدى المشترين. فكثيرون يسارعون إلى الشراء بأي ثمن خوفًا من زيادات مقبلة، ما يشعل السوق أكثر ويغذي حلقة الأسعار الصاعدة بلا سقف. وهكذا تحوّل العقار في مصر إلى مخزن للقيمة، لكنه في الوقت نفسه يهدد بتحويل السكن إلى سلعة للمضاربة بعيدًا عن دوره الاجتماعي.
ولإعادة ضبط بوصلة السوق، تبرز ثلاث خطوات أساسية:
1. تسعير أراضي الدولة بشفافية تضع حدًا للمزايدات.
2. مراجعة نظم التمويل العقاري بما يمنع تضخم فوائد التقسيط.
3. تفعيل الرقابة لحماية المستهلك من المبالغات غير المبررة.
يبقى القطاع العقاري قاطرة رئيسية للاقتصاد المصري، لكن استمرار هذا الجنون السعري يهدد استدامته. فمع تآكل القدرة الشرائية، سيتحول الارتفاع غير المنطقي إلى ركود حتمي مهما ردد البعض مقولة «العقار لا يخسر».
الرسالة واضحة: حان الوقت لإعادة التوازن إلى السوق وإيقاف نزيف الأسعار. فالعمران لا يقوم على المضاربات، والاستثمار الحقيقي يوازن بين حق المطور في الربح وحق المواطن في السكن الكريم.
البوست الاقتصادي
أحمد مصطفى يكتب: السوق العقاري المصري بين كلفة البناء وجنون التسعير
