في خضم الجدل الدائر حول مستقبل السوق العقاري في مصر، تصدرت عناوين كثيرة مشهد النقاش، أبرزها الحديث عن احتمالية سحب الدولة للأراضي من 123 شركة تطوير عقاري، ورغم أن بعض الأطراف رأت في هذه الخطوة مؤشرًا على أزمة أو بوادر انهيار، فإن قراءة هادئة ومتأنية تكشف لنا حقيقة مغايرة تمامًا.
ما يحدث اليوم ليس تصفية حسابات، ولا هجمة على الاستثمار العقاري، بل خطوة تصحيحية تأخرت كثيرًا، سوق العقارات في مصر، كما هو الحال في أي سوق نشط، يمر بمراحل نمو، تصحيح، إعادة ترتيب… وهذه الدورة صحية وضرورية للحفاظ على توازنه.
بالفعل، هناك شركات تأخرت في التنفيذ، وبعضها لم يلتزم ببرامج زمنية محددة، وهناك أسباب موضوعية مثل ارتفاع أسعار مواد البناء، والتأخر في التراخيص، والتغيرات السريعة في التكاليف. لكن في المقابل، هناك أيضًا شركات حصلت على أراضٍ ولم تحرك ساكنًا، واكتفت بالحجز والتسويق دون إنجازات حقيقية على الأرض.
ومن هنا جاء تحرك الدولة: مراجعة دقيقة لكل حالة على حدة، تمييز واضح بين الجاد والمتقاعس، بين من يستحق فرصة للاستمرار، ومن لم يعد مؤهلاً للاحتفاظ بالأرض.
هذه ليست رسالة سلبية للسوق، بل العكس تمامًا، هي محاولة لتصفية الأجواء، وإعادة الانضباط، وضمان أن الأرض تذهب لمن يملك القدرة والإرادة على تطويرها. هي أيضًا رسالة طمأنة للمواطن والمستثمر على حد سواء، بأن السوق يخضع للرقابة، وأن العشوائية لم تعد مقبولة.
الخطوة التي تتخذها الحكومة اليوم ضرورية للحفاظ على هيبة الدولة، وعلى حقوق المشترين الذين انتظروا التنفيذ، وعلى سمعة السوق العقاري أمام المستثمرين المحليين والأجانب.
وهي كذلك فرصة حقيقية للمطورين الجادين لإثبات وجودهم والتميز في مناخ أكثر انضباطًا.
أما الحديث عن انهيار أو تهديد للاستثمار، فهو قفز على الواقع، السوق لا ينهار حين يُنقّى من العشوائية، بل يستعيد توازنه وقيمته الحقيقية. والمطلوب الآن هو أن نُحسن القراءة، لا أن نُضخم القلق. أن نساند القرارات الإصلاحية بدلًا من مقاومة التصحيح.
المطور الجاد سيستفيد، والمضارب سيُقصى، وهذا هو جوهر ما تحتاجه السوق في هذه المرحلة.