الرئيس التنفيذي

أحمد محمد مصطفى

رئيس التحرير

هاني عبدالرحيم

البوست الاقتصادي

د. محمد راشد يكتب: لماذا لا تنجح الصناديق العقارية في مصر؟ قراءة في خلل الرؤية والتشريع والثقافة

اخبار 2025-07-09 11:44 التعليقات

د. محمد راشد يكتب: لماذا لا تنجح الصناديق العقارية في مصر؟ قراءة في خلل الرؤية والتشريع والثقافة

د. محمد راشد يكتب: لماذا لا تنجح الصناديق العقارية في مصر؟ قراءة في خلل الرؤية والتشريع والثقافة
كتب

رغم حالة الزخم المتزايد التي يشهدها السوق العقاري المصري خلال السنوات الأخيرة، والتي انعكست في توسعات عمرانية واسعة النطاق، وارتفاع معدلات الإقبال على الاستثمار العقاري كملاذ آمن في ظل موجات التضخم، لا تزال الصناديق العقارية بعيدة عن أن تكون أداة فعالة ومؤثرة داخل المشهد. فبينما تعتبر هذه الصناديق أحد أنجح أدوات التمويل العقاري في الأسواق العالمية، بل وتشكل العمود الفقري للاستثمار المؤسسي في العقار في دول مثل الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، لا تزال التجربة المصرية معها محدودة الأثر، خافتة الصوت، وأقرب إلى التجارب النظرية منها إلى الواقع العملي.

هذا التناقض بين حجم السوق العقاري وبين غياب إحدى أهم أدواته التمويلية، يدفعنا لطرح سؤال جوهري: ما الذي يُعيق نجاح الصناديق العقارية في مصر؟ ولماذا لا تستطيع هذه الآلية أن تجد لنفسها موضع قدم حقيقي في سوق يتعطش للتمويل طويل الأمد، ويرغب في خلق كيانات استثمارية أكثر استدامة وتنظيمًا؟

الإجابة لا تتعلق بعامل واحد فقط، بل تتداخل فيها أبعاد تشريعية، ثقافية، اقتصادية، ومؤسسية، كلها تشكل بيئة غير مواتية بعد لنمو هذا النوع من الصناديق. فالسوق العقاري المصري ما زال يعتمد بشكل أساسي على فلسفة “البيع المباشر”، سواء من المطور إلى المشتري أو من المستثمر إلى المستثمر، دون وجود منظومة متكاملة لإدارة الأصول أو تعظيم العائد منها على المدى الطويل. في هذا السياق، تبدو الصناديق العقارية كفكرة “غير مفهومة”، بل وغريبة على الذهنية الاستثمارية السائدة، التي تميل إلى الامتلاك الفعلي الملموس لا إلى فكرة الحصة أو الوثيقة أو العائد الدوري.

لكن العائق الأكبر ربما يكمن في غياب الرؤية المؤسسية داخل القطاع العقاري المصري. فحتى الآن، لا تزال شريحة واسعة من المطورين العقاريين تفكر بمنطق المشروع الفردي، وليس بمنطق “إدارة المحفظة العقارية”. وحتى الكيانات الكبرى، التي تمتلك الأصول والمساحات والقدرة على إدارة المجتمعات، لم تتجه بجدية حقيقية إلى تفعيل أدوات الصناديق، إما بسبب تعقيدات الإجراءات، أو غياب الحوافز، أو ببساطة، لأن البيئة المحيطة لا تشجع على ذلك.

من الناحية التنظيمية، ورغم أن الهيئة العامة للرقابة المالية وضعت إطارًا تشريعيًا لصناديق الاستثمار العقاري، فإن التطبيق العملي لا يزال يواجه تحديات جمة، من بينها الإجراءات البيروقراطية الثقيلة، والاشتراطات الرأسمالية المرتفعة، وغياب التنسيق بين الجهات المختلفة ذات الصلة. كما أن آليات التقييم العقاري واحتساب العوائد في مصر لا تزال تفتقر إلى الشفافية والمرجعية المؤسسية، ما يجعل المستثمرين مترددين في الدخول في أدوات غير واضحة العوائد أو غير مضمونة الصيغة.

ومن المهم أيضًا الاعتراف بأن الثقافة الاستثمارية في المجتمع المصري لم تتطور بعد لتستوعب أدوات مثل الصناديق العقارية. فالأفراد لا يزالون يبحثون عن “شقة باسمهم”، لا عن حصة في مجمع سكني أو مول تجاري أو مشروع طبي. غياب هذا الفهم لا يُلام عليه المواطن فقط، بل يُلام عليه أيضًا النظام التعليمي، ووسائل الإعلام، والمؤسسات الاقتصادية التي لم تبذل جهدًا كافيًا لنشر الوعي بجدوى هذه الصناديق، ولا بإمكانياتها الكبيرة في تعظيم الثروة وتقليل المخاطر على المستثمرين الصغار والكبار على حد سواء.

ما يُعقّد الأمور أكثر هو غياب التناغم بين الدولة، والمطورين، والمؤسسات المالية. فكل طرف يتحرك داخل مساره الخاص، بأولوياته الخاصة، دون رؤية جامعة. الدولة تضع أهدافًا اجتماعية وسياسية، والمطور يلاحق الربح والتوسع، والمؤسسات المالية تبحث عن الضمانات وسرعة دوران رأس المال. وفي ظل هذا التنافر، يصعب جدًا على أداة مثل الصندوق العقاري – التي تحتاج إلى ثقة واستقرار وتنظيم – أن تجد بيئة صالحة للنمو والاستدامة.

إذا أردنا لتجربة الصناديق العقارية أن تنجح في مصر، فلا بد من إعادة هيكلة جذرية للفكر العقاري ككل. نحن بحاجة إلى التفكير في العقار ليس كسلعة، بل كأصل استثماري يمكن تدويره وتعظيم قيمته. نحتاج إلى بيئة تشريعية محفزة، بسيطة، مرنة، تدعم التأسيس والتشغيل والتداول. نحتاج إلى إعلام اقتصادي يُعيد شرح مفاهيم مثل العائد على الاستثمار، والتوزيعات النقدية، وإدارة الأصول الجماعية. ونحتاج، قبل كل ذلك، إلى شراكة مؤسسية حقيقية بين الدولة والمطورين والقطاع المالي، تضع خارطة طريق واضحة لإطلاق صناديق عقارية مصرية قوية، قابلة للتداول، وتعمل بمعايير الحوكمة والشفافية المعروفة دوليًا.

إن مستقبل التمويل العقاري في مصر لن يُبنى على الأدوات التقليدية وحدها، بل على قدرة السوق على تبني أدوات التمويل الجماعي والمؤسسي، وأهمها على الإطلاق: الصناديق العقارية

أخبار شبيهة

التعليقات